°
إنَّ الكرامَ على الجيادِ مبيتُهم
فدعي الرِّماحَ لأهلها وتعطَّري
البيت لأبي مِحجَن الثَّقفي رضي الله عنه، حُبِسَ يومَ القادسيَّة لدى سعدٍ بن أبي وقاص بسبب شُربه للخمر ولكنَّه عزَّ عليه أن يرى قَومه خَارجين للقاءِ الأعداء وهو حبيس زنزانته، وهو من هو؛ الفارسُ الذي لايشق لهُ غُبار. فلمَّا التقى النَّاس أنشد يقول :
كَفَى حَزَنًا أَنْ تُطْرَدَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا
وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلَيَّ وِثَاقِيَا
فاستأذن زوجةَ سعدٍ في التَّفلتِ مِن القيد واستعارة فرَسِ سعد لجولة في المعركة يُعود بعدها لزنزانتِه باراً بوعده لهَا؛ فَقَالَ لها: أَطْلِقِينِي وَلَكِ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَنْ أَرْجِعَ حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي الْقَيْدِ ، وَإِنْ قُتِلْتُ اسْتَرَحْتُمْ مِنِّي، قَالَ: فَحَلَّتْهُ، حِينَ الْتَقَى النَّاسُ .
فَوَثَبَ عَلَى فَرَسٍ لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلْقَاءُ، ثُمَّ أَخَذَ رُمْحًا، ثُمَّ خَرَجَ يَكر ويضرِبُ أعناقَ العدو فَجَعَلَ لَا يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ إِلَّا هَزَمَهُمْ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مَلَكٌ لِمَا يَرَوْنَهُ يَصْنَعُ، حَتَّى حلَّ المساء وكانَ لابد له من أن يَبر بوعدِه، فقفلَ راجعاً فرأته إمرأة ظنته فارَاً من المعركة، فانشدَت :
مَن فارساً كرهَ الطعانَ يُعيرني
رمحاً إذا نزلوا بمَرج الصُّفَّر
فرد عليها :
إنَّ الكرام عَلى الجياد مبيتهُم
فدَعي الرِّماحَ لأهلها وتعطَّري
( أي مكان النِّساء البيت والتَّعطر والتزين لنفسِها ولزوجها )
ثمَّ عاد فوَضع القيدَ في رجله، وأنشد يقُول :
لقد علمت ثقِيف غير فـــخرٍ
بأنَّا نحن أكرمهم سيـــــــوفا
وأكثرهم دروعاً سابــــــــــــغات
وأصبَرهم إذا كرِهوا الوقوفا
وأنا رفدهم فِي كــلِّ يــــــومٍ
فإن حجدوا فسل بهم عَريفا
وليلةَ قادس لم يشعروا بـــــي
ولم أكره لمخرجي الزحوفا
فإن أُحبس فقد عرفوا بلائِـــي
وإن أطلق أجرِّعهم حُتوفـا
القصة مذكورة عندَ أبي شيبة في “مصنفه” (33746)، وسعيد بن منصور في “سننه” (2502) بإسنادٍ صحيح مُتصل، رجاله ثقات.